كبير الرأس يكتب..
تعارك قريبا الحمار..
حتّى سدّا الآفاق بالغبار..
وماتوقّفا إلّا بعد أن نال منهما التعب..
ورضيا بالصلح رفعاً للعتب..
بعد أن أدميا قلوب الجميع ..
وشوّها سمعة القطيع ..
وقد شهد صراع اليوم مخلوقان صغيران..
على التقليد مفطوران ..
رأيامن عشهمافوق الشجرة العضّات والرفسات..
فراحا يقلّدانها بما عندهما من أدوات..
حتّى سقطا فوق التراب..
وزحف صوبهما نمل ذو أنياب..
والحمار مشغول بتطوير قدراته الأدبيّة..
مفكّر بكيفيّةالقيام بنقلة نوعيّة..
تخرجه من قفص الاتّباع ..
وتطلقه صوب فضاءات الإبداع ..
وكي يجد المكان الأنسب للكتابة ..
يمّم وجهه شطر الغابة..
ومشى مئات الأمتار..
مبتعداً عن المكان الذي حصل فيه الشجار. .
حتّى بلغ ظلال ياسمينة..
عليها وقفت ببغاء بدينة ..
ملّت -من زمان- ترديد ماتسمع..
وشغلها الارتقاء إلى رتبة أرفع ..
ووجدت في الحمار الحائر..
فرصةلتجربةدور متكلّم مبادر ..
فسألته بفضول:
"بم أنت ياطيّب مشغول..؟"
قال الحمار:
"أريد كتابة قصّةناقدة..
تجمع بين المتعة والفائدة..
لاأجرح بمعانيهامشاعر من يخالفني الرأي من الأحباب..
ولاأظلم من أكره فعله من الأصحاب..
وربّما تكونين ياقاهرة الفضاء..
قدسمعت بالأخوة الأعداء ..
الّذين فقدوا الرشاد..وركبهم العناد..
وقرّروا أنّ الغاية تبرّر الوسيلة..
حتّى لو فنيت دونها القبيلة..
وعندما يحيق الخطر بالجميع..
فالتحذير منه واجب على المستطيع..
ولكن حبّذا لو أشرت عليّ ياابنة الغابة ..
في أنسب سبيل للكتابة ..!"
قالت الببغاء:
"أحسنت ياحمار..
فماخاب من استشار..
إن هوأعمل فكره في الآراء..
وسلم من شراك الأهواء.."
قال الحمار:
"أوجزي إذا سمحت.."
قالت :
"سمعت جارنا الإنسان..
يقصّ على ولده قصّة بلسان الحيوان..
ففهمت منها أنّه يحضّه على الاستعداد للشتاء..
بدلاً من هدر الصيف في الغناء..
فلماذا لاتقلب الآية ...
وتروي بلسانه الرواية..؟
فيفطن قومك للقصد..
دون أن توقد في صدورهم نيران الحقد..
وهم إن لاموك وجانبوا حكمة الحكماء..
كانوا مستحقين لكلّ ازدراء..
ومن منهم لم يفعل..
تكون قد سلكت إلى نصحه السبيل الأفضل.."
قال الحمار:
"فماذا اقول لمن لم يفهم..؟"
قالت:
"فليذهب إلى جهنّم.."
قال:
"شكراً لك ياصاحبة المنقار..
وليت لي غير ذلك الخيار.."
ثمّ إنّه مال إلى القلم فخطّ به هذه القصّة:
(واحد من البشر رفس نسيبه..
وعضّ قريبه..
الذي لم ينهق ببنت شفه..
ولم يقابل السفه بالسفه..
بل بادر إلى الغفران..
رغم امتلاكه للحوافر والأسنان..
غير أنّ المعتدي تمادى وبالسوءنهق ..
ثمّ بالغ وبوجه المتسامح بصق..
وكاد أن يفعل ماهو أعظم من تلك الأفعال..
لولا أنّ الأرض انشقت وابتلعته في الحال..
ثمّ نزلت في الشقّ صاعقة فأحرقته..
وتلتها زوبعةحملت رماده معها وذرته..
لماذا؟
لأنّ في السماء من يرى ويسمع..
وغضبه إذا نزل لايدفع..)
قال الحمار الكاتب للببغاء :
"القصّة انتهت ياابنة النبلاء..فهل عندك من نقد بنّاء؟"
قالت :
"أخشى ألّا يتّسع لنقدي صدرك الرحب..
فتغضب ويتلاشى مابيننا من قربّ.."
قال الحمار:
"مادام الكلام بيننا لايسمعه أحد ..فهو لي زينةوسند..
ومن يدري فقد اقتنع بما تذهبين إليه..
فأحذف من النصّ أو أزيد عليه..
ويكون لك أجر الإصلاح..
وفضل في صناعةالنجاح.."
قالت :
"مادمت قد أذنت لي في النقد..
ووعدتني بقبوله من غير وجد..
فأرى أن تستبدل الرفس بالنقر..
والعضّ بالخدش بالمخالب..
والنهيق بتقليد صوت النسيب..
والبصق لابأس به بل هو رهيب..
أمّا الحوافر والأسنان ..
فمع النقر والخدش ليس لها مكان..
وليس عندي ماأضيفه إلى ماذكرت لك ..
فالبناء المنطقيّ متين..والقيم التي يدعو إليها سامية..
والتشويق حاضر..والسبك ساحر..
رغم خلوّالنصّ من الإنشاء ..كنشرات الأنباء.."
قال الحمار:
"شكراً لك ياصاحبة المنقار..
لن أهمل ماأتحفتني به من أفكار ..
وسأعتمدها إن أعجبت صديقتي الذبابة..
التي قالت لي ذات يوم:
إنّ الناقد المبدع لاينظر فقط إلى الكتلة..
بل إليها وإلى مايحيط بها من فراغ..
فيبحث عمّا سكت عنه الكاتب ولم يقله..
ممّا يلامس الموضوع..
في المسموح والممنوع..
فإن كان في المسموح وتجاوزه الكاتب فإيجاز أو غفلة..
وإن كان في الممنوع فخوف من المخلوق
أو خشية من الخالق..وشتّان بينهما.."
قالت الببغاء:
"فما الذي سكتّ عنه في قصّتك ولم تقله..؟"
قال الحمار:
"لم أقل إنّ العراك الذي جرى بين بطلي قصّتي
كان تحت شجرة دردار ..
وعلى غصن من أغصانها عشّ فيه أفراخ صغار..
راحت تقلّد ماترى.. فسقطت من العشّ فوق الثرى .."
سارعت الببغاءبالطيران وهي تقول:
"أيّها البائس الآن أعلم
لماذا لايتوقّف جارنا الإنسان
عن وصف ولده بالحمار..كلمّاارتكب حماقة..!"
-----------------------
عبدالحكيم ياسين/سورية
تعارك قريبا الحمار..
حتّى سدّا الآفاق بالغبار..
وماتوقّفا إلّا بعد أن نال منهما التعب..
ورضيا بالصلح رفعاً للعتب..
بعد أن أدميا قلوب الجميع ..
وشوّها سمعة القطيع ..
وقد شهد صراع اليوم مخلوقان صغيران..
على التقليد مفطوران ..
رأيامن عشهمافوق الشجرة العضّات والرفسات..
فراحا يقلّدانها بما عندهما من أدوات..
حتّى سقطا فوق التراب..
وزحف صوبهما نمل ذو أنياب..
والحمار مشغول بتطوير قدراته الأدبيّة..
مفكّر بكيفيّةالقيام بنقلة نوعيّة..
تخرجه من قفص الاتّباع ..
وتطلقه صوب فضاءات الإبداع ..
وكي يجد المكان الأنسب للكتابة ..
يمّم وجهه شطر الغابة..
ومشى مئات الأمتار..
مبتعداً عن المكان الذي حصل فيه الشجار. .
حتّى بلغ ظلال ياسمينة..
عليها وقفت ببغاء بدينة ..
ملّت -من زمان- ترديد ماتسمع..
وشغلها الارتقاء إلى رتبة أرفع ..
ووجدت في الحمار الحائر..
فرصةلتجربةدور متكلّم مبادر ..
فسألته بفضول:
"بم أنت ياطيّب مشغول..؟"
قال الحمار:
"أريد كتابة قصّةناقدة..
تجمع بين المتعة والفائدة..
لاأجرح بمعانيهامشاعر من يخالفني الرأي من الأحباب..
ولاأظلم من أكره فعله من الأصحاب..
وربّما تكونين ياقاهرة الفضاء..
قدسمعت بالأخوة الأعداء ..
الّذين فقدوا الرشاد..وركبهم العناد..
وقرّروا أنّ الغاية تبرّر الوسيلة..
حتّى لو فنيت دونها القبيلة..
وعندما يحيق الخطر بالجميع..
فالتحذير منه واجب على المستطيع..
ولكن حبّذا لو أشرت عليّ ياابنة الغابة ..
في أنسب سبيل للكتابة ..!"
قالت الببغاء:
"أحسنت ياحمار..
فماخاب من استشار..
إن هوأعمل فكره في الآراء..
وسلم من شراك الأهواء.."
قال الحمار:
"أوجزي إذا سمحت.."
قالت :
"سمعت جارنا الإنسان..
يقصّ على ولده قصّة بلسان الحيوان..
ففهمت منها أنّه يحضّه على الاستعداد للشتاء..
بدلاً من هدر الصيف في الغناء..
فلماذا لاتقلب الآية ...
وتروي بلسانه الرواية..؟
فيفطن قومك للقصد..
دون أن توقد في صدورهم نيران الحقد..
وهم إن لاموك وجانبوا حكمة الحكماء..
كانوا مستحقين لكلّ ازدراء..
ومن منهم لم يفعل..
تكون قد سلكت إلى نصحه السبيل الأفضل.."
قال الحمار:
"فماذا اقول لمن لم يفهم..؟"
قالت:
"فليذهب إلى جهنّم.."
قال:
"شكراً لك ياصاحبة المنقار..
وليت لي غير ذلك الخيار.."
ثمّ إنّه مال إلى القلم فخطّ به هذه القصّة:
(واحد من البشر رفس نسيبه..
وعضّ قريبه..
الذي لم ينهق ببنت شفه..
ولم يقابل السفه بالسفه..
بل بادر إلى الغفران..
رغم امتلاكه للحوافر والأسنان..
غير أنّ المعتدي تمادى وبالسوءنهق ..
ثمّ بالغ وبوجه المتسامح بصق..
وكاد أن يفعل ماهو أعظم من تلك الأفعال..
لولا أنّ الأرض انشقت وابتلعته في الحال..
ثمّ نزلت في الشقّ صاعقة فأحرقته..
وتلتها زوبعةحملت رماده معها وذرته..
لماذا؟
لأنّ في السماء من يرى ويسمع..
وغضبه إذا نزل لايدفع..)
قال الحمار الكاتب للببغاء :
"القصّة انتهت ياابنة النبلاء..فهل عندك من نقد بنّاء؟"
قالت :
"أخشى ألّا يتّسع لنقدي صدرك الرحب..
فتغضب ويتلاشى مابيننا من قربّ.."
قال الحمار:
"مادام الكلام بيننا لايسمعه أحد ..فهو لي زينةوسند..
ومن يدري فقد اقتنع بما تذهبين إليه..
فأحذف من النصّ أو أزيد عليه..
ويكون لك أجر الإصلاح..
وفضل في صناعةالنجاح.."
قالت :
"مادمت قد أذنت لي في النقد..
ووعدتني بقبوله من غير وجد..
فأرى أن تستبدل الرفس بالنقر..
والعضّ بالخدش بالمخالب..
والنهيق بتقليد صوت النسيب..
والبصق لابأس به بل هو رهيب..
أمّا الحوافر والأسنان ..
فمع النقر والخدش ليس لها مكان..
وليس عندي ماأضيفه إلى ماذكرت لك ..
فالبناء المنطقيّ متين..والقيم التي يدعو إليها سامية..
والتشويق حاضر..والسبك ساحر..
رغم خلوّالنصّ من الإنشاء ..كنشرات الأنباء.."
قال الحمار:
"شكراً لك ياصاحبة المنقار..
لن أهمل ماأتحفتني به من أفكار ..
وسأعتمدها إن أعجبت صديقتي الذبابة..
التي قالت لي ذات يوم:
إنّ الناقد المبدع لاينظر فقط إلى الكتلة..
بل إليها وإلى مايحيط بها من فراغ..
فيبحث عمّا سكت عنه الكاتب ولم يقله..
ممّا يلامس الموضوع..
في المسموح والممنوع..
فإن كان في المسموح وتجاوزه الكاتب فإيجاز أو غفلة..
وإن كان في الممنوع فخوف من المخلوق
أو خشية من الخالق..وشتّان بينهما.."
قالت الببغاء:
"فما الذي سكتّ عنه في قصّتك ولم تقله..؟"
قال الحمار:
"لم أقل إنّ العراك الذي جرى بين بطلي قصّتي
كان تحت شجرة دردار ..
وعلى غصن من أغصانها عشّ فيه أفراخ صغار..
راحت تقلّد ماترى.. فسقطت من العشّ فوق الثرى .."
سارعت الببغاءبالطيران وهي تقول:
"أيّها البائس الآن أعلم
لماذا لايتوقّف جارنا الإنسان
عن وصف ولده بالحمار..كلمّاارتكب حماقة..!"
-----------------------
عبدالحكيم ياسين/سورية