الجمعة، 27 أبريل 2018


من كتابات2009


الصياد الخائب


حمل بندقيّته الصدئة واعتمر قبعته العالية العريضة

المصنوعة من لحاء الخيزران وخرج لاصطياد الطائر
المغرّد الجميل الذي لمحه ذات يوم فوق شجرة السرو ..
كان الطائر يغفو فوق الأغصان المتكاثفة فلم يسمع صوت
العيدان البايسة تتكسّر تحت قدميّ الصيّاد ..
الأنسام الحانية جزعت أشدّ الجزع ..فهبّت بقوّة
تحمل معها رائحة الخطر المحدق بالمغرّد الجميل
وتثير الغبار في وجه المتسلّل..ولكن ..
الطائر متعب وإغفاءته عميقة والصيّاد عنيد..
لذلك لجأت الأنسام لحيلة أخرى..
فقد راحت تهبّ بنعومة ولطف حاملة
معها شذى الزهور ودفء شمس الضحى ..ماسحة
بأناملها الساحرة على وجه وعينيّ الصيّاد..الأمر الذي
جعله يجلس.. ثمّ يستند إلى جذع الشجرة.. 
ثمّ يتوسّد يديه ويغفو ..ثمّ يشرع بشخير بدا عالياً
مزعجاً وموقظاً للعيون الغافية ..
ولكنّ الطائر كان قد صحا على قرصة نملة مشاغبة..
وسمع الشخير فظنّه صوت الهرّ العجوز الذي لايتوقّف عن مطاردته..
ورأى قبعة الصيّاد الواسعة فهبط وحطّ فوقها
بخفّة وغرّد متحديّاً الهرّ الذي ظنّه مختبئاً في مكان ما..
وتحرّك الصيّاد وسعل ونظر حوله..وهمس لنفسه:
أخيراً هاهو الطائر قد حطّ على الشجرة ..
وقام يدور حول الشجرة وهو يتفرّس في كلّ زاوية
وفوق كلّ غصن ..والطائر يرتجف وهو
لايجرؤ على الطيران خوفاً من طلقة غادرة ..
ودقّات قلبه تتسارع وعيناه تبحثان عن فضاء آمن..
وفجأة..ظهر من طرف الحقل الطفل أحمد الذي يحبّ
الطيور والأزهار ويكره الأشواك والديدان ..
ركض أحمد صوب الصياد وصاح:
ياعمّ سرحان..ياعمّ سرحان في دارنا جرذ كبير
يتسلّق شجرة ويلتصق بأغصانها..لقد شاهده
أخي أكثر من مرّة فوق شجرة الرمّان يجوّف ثمارها.. 
وشاهدته أنا يلتهم الكرز قبل نضوجه 
وخالي يقول: إنّ الجرذ يقضم من حبّات الخوخ
قضمات ثمّ يتركها تتعفّن وتهتريء..تعال خوّفه ياعمّ
لكي يهرب ويتركنا في سلام ..
قال الصيّاد:اذهب عنّي فأنا مشغول ..اذهب بسرعة
قبل أن تخيف الطائر فيهرب ولا أتمكّن من صيده..
قال أحمد:ولكنّ الطيور صديقة لنا ..إنّها تخلّصنا
من مئات الديدان واليرقات التي تنخر الأشجار..
قال الصيّاد بغلظة:يوجد الكثير منها ياولد..وهذا
الطائر جميل جدّاً..وسأزيّن بريشه الملّون قبّعتي..
نظر أحمد إلى القبعة فرأى الطائر يطلّ برأسه من
فوقها وهو يرتعد..فضحك الصبي وقال:
لابأس سنجد طريقة ما لتأديب الجرذ المشاغب..
لاتتعب نفسك ياعمّ ..ولكن ..رأيت منذ قليل
حارس الغابة ومعه رجل شرطة وهم يبحثون 
عمّن أصاب بقرة الأرملة بطلق طائش..
قال الصيّاد:غريب ..لقد قالت لي إنّها قد باعتها
البارحة ..هل أنت صادق ياولد؟
شعر أحمد بالخجل لأنّه كذب وندم لأنّه فعل..
فقال معتذراً:
آسف ياعمّ..أنا أمازحك..
وهمس الصيّاد بلؤم:المزاح له أصول ..اذهب ..
انصرف من هنا يبدو أنّك تحاول إلهائي فقط 
لكي لا أصطاد حبيب قلبك الطائر المغرّد ..
لقد سمعت صوته منذ قليل ولابدّ أنّه ملتصق
بأحد أغصان هذه الشجرة..قال أحمد بيأس:
أنت ذكي ياعمّ ولاشكّ أنّك ستكتشف ذات يوم أنّنا
عندما ننشغل بمطاردة الطيور النافعة فإنّ الجرذان
الضارّة تسرح وتمرح في بساتيننا..وعندما غاب
الطفل خلف حدود الحقل كان الصيّاد مستمرّاً في
الدوران حول الشجرة باحثاً عن الطائر بينما انتبه
الطائر إلى أنّه فوق قبّعة الصيّاد في أمان أكبر من
أيّ مكان آخر..فأغفى من جديد ..أمّا الشمس فكانت
تحاول أن تكتم ضحكتها وتخفي أسنانها البيضاء الجميلة..
شاعرة بالرضى لأنّها السبب في جعل هذا الصيّاد
يلبس هذه القبعة الرائعة..
----------------------
مع تحيات عبدالحكيم ياسين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

من كتابات 2012-قصة مسجوعة بعنوان: كبير الرأس يكتب

كبير الرأس يكتب..       تعارك قريبا الحمار.. حتّى سدّا الآفاق بالغبار.. وماتوقّفا إلّا بعد أن نال منهما التعب..  ورضيا بالصلح  رفعاً...