السبت، 9 ديسمبر 2017

مجموعة من قصصي الرمزية التي نشرت في المنتديات الأدبية بين عامي 2007-2009

الحمار الذكي
            

درّب فلّاح حماره على حمل متاعه
من أماكن مختلفة ذهاباً وإياباً من البيت وإليه..
وراح يتباهى بأنّه يستفيد من وقته بصورة مثالية
فهو يحفر الأرض في الوقت الذي يقوم فيه حماره بتوصيل
المحصول المكوّم في كوخ الحقل إلى البيت...
وتضايق جاره من كثرة تباهيه فربط حمارته(إتانه)
في الطريق ووضع أمامها كومة من الأعشاب الغضّة الطرية
بعد أن غسلها ونظّفها ومشط لها وبرها وشعرها..
الأمر الذي جعل الحمار الذكي يتوقّف للفرجة أولاً
ثمّ يقترب متودّداً ثم يحاول مشاركة الأتان 
الطعام والهواء والأحمال فوق ظهره..
تضايقت الأتان من منظر الأحمال على ظهر الحمار
والتي تدلّ على الذلّ والخنوع فعاملته بجفاء وازدراء..
ممّا أثار سخطه وغضبه ..
فالاحتقار من الناس أمر عاديّ ومألوف 
ولكنّه من أتان أمر خطير وغير محتمل..
وتعبيراً عن الغضب ألقى الحمار الأحمال أمام الأتان 
وراح يرفسها بكلّ قوة..
وفوجيء هو والأتان بأنّها كوم من الدريس ممّا لذ وطاب
فراحا يأكلان منها في ابتهاج وفرح..
وتساءل الحمار الذكي عن السبب الذي يدفعه
لحمل هذه الأطايب التي لم يذقها من قبل 
من مكان إلى مكان وهو قانع راض...
وفي تلك اللحظة انهالت على ظهره عصا غليظة قاسية
ضرباً ووكزاً وصدمت مسامعه مفردات سباب بذيء لم يسمع مثله قط ..
من صاحبه الغاضب..
وهكذا عرف السبب وبطل العجب..
------------------

مع تحيات عبدالحكيم ياسين
-------------------------------------------------------------الفأر الأقل حظاً

                  

عثر فأر نشيط على تجويف صخريّ حصين
تتساقط في زاوية منه قطرات ماء وتنمو أعشاب غضّة...
فهتف :
ماء وخضرة وظلال وأمان..
لا بدّ من أن أتخذ من هذا المكان الرائع مسكناً..
ولكي لا أكون وحيداً سأقنع فرفورة ابنة خالتي بالزواج بي..
ولكي لا نجوع لابدّ من جمع القشّ والحبوب والثمار..
وهكذا شرع الفأر النشيط في جمع ما يريد حتّى امتلأ التجويف بالمؤونة..
وأسرع إلى فرفورة وحدّثها عن سرّه الكبير..
فأسرعت معه صوب بيت المستقبل حالمة بالثراء والهناء..
ولكنّ البومة الأكثر حكمة انقضت على الفأر الأقل حظاً 
والتهمته والتهمت معه أحلامه وأحلام رفيقته 
وفوق كلّ ذلك التهمت سرّه الذي لم تكن فرفورة بعد
قد عرفت منه إلّا أنّه موجود أمّا أين فلم تعلم..
لذلك فقد بكت مرّة من أجل فقد الشريك ومرّة من أجل فقد الثروة..
لقد فقدت الحبيب والحبوب..
وهتفت بألم:
يا صاحب الأحلام الوردية..اعلم أنّك لست الوحيد في هذا العالم..
واعلم أنّ أعداءك لا يكترثون لحجم أحلامك ولا لضياع جهودك..
واعلم أنّ الدنيا ليست مكاناً آمناً فلا تركن إليها وتنسى مابعدها..
وهكذا كما تلاحظ عزيزي القاريء نطقت الفأرة بالحكمة..ويا لها من ثروة..
-----------------------------

مع تحيّات:عبدالحكيم ياسين

-------------------------------------------------------------الصرصور يغرق النملة

                 

النملة لا تحبّ اللهو أبداً..
تخبّيء ماتجمعه في أمكنة لاتخطرعلى بال ..
ولكنّ الصرصورالذي لا يفعل شيئاً غير مراقبتها..
يلبس لباس الطيبة والوقار ويذهب الى العظاءة الجائعة العمياء
ويقول لها:أنا مخلوق يعشق المرح..
يحبّ الصخب والتجديد وجارتي النشيطةالرائعة لا تتوقّف عن العمل 
ولا تحيد عن طريقها الذي لا تغيّره أبداً...إنّك ترينها هناك..
تتلمّسينها حالما يسطع ضوء النهار..وأحياناً في الليالي المقمرة..
تعمل دون كلل..كم أحبّ فيها ذلك الطبع ..
رغم أنّني مختلف تماماً..
وتهزّ العظاءةرأسها وتسأل:
هل تعتقد أن طعم النمل طيّب مثلما أعتقد أنا؟ 
ويتجاهل الصرصور السؤال..ويقول:
يا لها من صبورة..تمرّ من نفس المكان دائماً..
طريق صنعته بنفسها..تعرفينه أنت تماماً..
يمرّ بمحاذاة الصخرة التي تقفين عليها لتوديع الشمس كلّ مساء...
قد تمرّ قربك تماماً وهي مشغولة عنك بجمع القشّ والحبّ..
لا تسمعك ولا تسمعينها..
وفي مكان آخر ترى الصرصور يمتدح النملة قائلاً :
اسمع أيّها المخلوق الذي لا أعرف اسمه..
إننّي أراك مهتماً كثيراً بالحبوب..لا بدّ أنّك تجدها لذيذة جداً..
مثل جارتي النملة الرائعة..أروع جارة..
طيّبة جدّاً ولم تؤذني قط..وفوق كلّ ذلك خارقة الذكاء..
إنها لفرط حكمتها تخبّيء كمّيات كبيرة من القمح 
في حفرة تحت الأرض هناك قرب الجذع اليابس
لشجرة التفّاح التي ضربتها الصاعقة ..إنّك تعرفها أنا متأكّد ..
رأيتك يوم فاض النهر مع اثنين من رفاقك تعتليان الجذع..
إنّه مكان مقفر لا يطرقه أحد..
ولكنّها بذكائها النادرجعلته مخزناً لغلّاتها ..
بالله عليك أليست جديرة بكلّ تقدير.؟.
لقد قالت لي في آخر مرّة:
أيّها الجارالطيب..إنّك تغرقني بمديحك المستمرّوتحاصرني به..
أرجوك توقّف عن ذلك..
أتدري أيّها المخلوق ماذا قلت لها؟
لقد قلت لها: يا لك من متواضعة..
تتواضعين وأنت في قمّة المجد...
تعطين لي الحبّ في أيّام البرد والحاجة ..
تحتملين فضولي وصخبي طوال الليل
وفوق كلّ ذلك تتواضعين وتتحلّمين..
انت حقّاً تستحقين المديح..
ولسبب ما  لا تعثر العظاءة على النملة..
ولا يهتدي المخلوق إلى الحبوب 
ولا يتوقّف الصرصورعن المديح والثرثرة والمراقبة.. 
ولا تنتهي هذه القصّة ابداً ابداً....
--------------------

مع تحيات عبدالحكيم ياسين
-----------------------------------------------------------

                       أهلا ًبالمولود الجديد

غزال صغير جميل يولد للتو....يسقط على الأرض
الطرية..ملطخاً بالدماء...يغالب ضعفه وينهض...
وقبل أن تلعقه أمه اللعقات الأولى..تتحلق حوله
ثلة من الضباع ..يمسكه أحدها من فخذه ويهوي به
إلى الأرض ..ويختلط الألم والخوف بالدهشة والسخط
ولا يتسع المكان ولا الزمان لتساؤل لاح في العيون
الضارعة المتألمة..لماذا أنا هنا؟من صديقي ومن عدوي
؟كيف وماذا ولم؟ ويأتي الجواب نهشات ومخالب...ثم يطبق 
ظلام أكثر رحمة ..ظلام تنتهي عنده الالام والأسئلة معاً..وتهتف الأم المنهكة :
ندمت على جلب طفل بريء
إلى عالم مستغل دنيء
يزين للعين زهر الحقول
وفي الزهرزحف لداء خبيء
يضيق المعاش على كل بر
ويصفو ويهنا لنذل قميء
ويرفع كأس خلي رخيص
ويرمى بكأس ثمين مليء
فلاعشت يوماً ولا طال عمري
بهذا الزمان الغبي الرديء
إذا لم أناطح برأس عنيد
جباه اللئام ووجه المسيء

مع تحيات عبدالحكيم ياسين
---------------------------------------------------
كلمة طيبة
 

قال الجدّ لحفيده:
ولدي العزيز،للكلمة الطيبّة مفعول 
سحريّ،استخدمها في موضعها،
وستجد أنّها أمضى من أيّ سلاح .

وذات يوم ، توغّل الفتى في الغابة ،
غير هيّاب ، ففي يده سلاح لايقاوم ،

وفي عمق الظلام  لمع شيء ما ،

ثمّ اعترض -فجأة- درب 
 الحفيد ذئب وزمجر،

همّ الفتى برفع عصاه ،ولكنّه تذكّر 
الكلمة الطيّبة، فهمس بلطف:

أيّها الكائن الجميل المهيب ..على بعد
عشرات الأمتار من هنا يرقد خروف
صغير بلا حراك ، وأظنّه سقط من
فوق صخرة ومات ،ولحمه مازال 
طازجاً طريّاً ؛ فاذهب إلى هناك ،واملأ 
بطنك الخاوية،واقبل صداقتي وكن حليفي ..

ولكنّ الذئب هزّ رأسه رافضاً العرض السخيّ،
وتقدّم صوب الفتى وهو يكزّ على أسنانه ،

قال الفتى :
أيّها الذئب الشجاع أستطيع الاستغناء
عن نصف طعامي وهومن لحم العجل
المطبوخ ؛فتفضّل بالتهامه هنيئاً مريئاً، 
ومدّ يده به للذئب،فأطبق الوحش على
اليد ،وشدّها إليه بعنف حتّى خلع قطعة
منها ،وراح يمضغها بتلذّذ..

وأسرع الفتى يضمّد جرحه بمزقة من
قميصه وهو يناجي نفسه :
لن أستسلم لليأس ..الكلمة الطيّبة
لاتؤتي أكلها دون تضحيات ..

وصاح مخاطباً الذئب:
أيّها الذئب الجسور لتكن هذه القطعة
من لحمي عربون صداقة ،وهديّة إعجاب
بروحك العمليّة، وتعبيراً عن تفهّمي لجوعك
وعجزك عن ضبط سلطانه ..

ولكنّ الذئب وثب إلى رجل الفتى
الغضّة ،فانتهش منها نهشة ،
وراح يلوكها بطرف أسنانه،
وهو يغرز أقدامه في الأرض استعداداً
للوثبة التالية ..

والفتى الجريح ،يضمّد بمزقة أخرى من قميصه،
جراحه الثانية ويصيح:
فلتكن القطعة الأخرى من لحمي
توكيداً لإعجابي بك ،وإثباتاً لصدق نيّتي في
طلب صداقتك وكسب ودّك ونيل احترامك ..

ولكنّ الذئب الذي ملّ سماع الصوت الودود،
وذاق طعم اللحم الغضّ العود ،رنا هذه المرّة
صوب عنق الصبي وهمّ بالوثوب ..

وفطن الفتى إلى الخطر المحدق به ،
و تذكّر- للحظة -أنّ الكلمة الطيّبة هنا
ليست في موضعها ،فرفع عصاه المدبّبة 
بيده السليمة وطعن بهاعين الذئب المتغطرس
ففقأها ثمّ همّ بتسديد الطعنة الثانية لعينه 
الأخرى إلا أنّه لم يفعل ، فقد بدت له
مطفأة ..وبهاآثار طعنة قديمة ..
مع تحيات عبدالحكبم ياسين
-----------------

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

من كتابات 2012-قصة مسجوعة بعنوان: كبير الرأس يكتب

كبير الرأس يكتب..       تعارك قريبا الحمار.. حتّى سدّا الآفاق بالغبار.. وماتوقّفا إلّا بعد أن نال منهما التعب..  ورضيا بالصلح  رفعاً...